عقوبة القاتل عمدًا
الحمد لله القوي العظيم، الرءوف الرحيم، يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، وهو الحكيم العليم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بالنعيم المقيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم على الصراط المستقيم، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على ما أنعم به عليكم من حماية الدين، والنفس والمال والعرض.
فلقد حمى الله لكم الدين بما أقام عليه من الآيات البينات، حتى تتمسكوا به عن علم وبصيرة، وحماه لكم بما رتبه من الجزاء الوافر على فعل الحسنات، لترغبوا فيها وتقيموها، وحماه لكم بما حذركم به من عقوبة على المخالفات، لترهبوا منها، وتستقيموا على الأمر المطلوب منكم، وحمى الله لكم الدين بما أقامه من الجهاد بالنفس والمال.
ولقد حمى الله لكم النفس، فأكد تحريمها وحرمتها في كتابه، وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقرن القتل بالشرك، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: 68].
وقال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الأنعام: 151].
إلى قوله: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق» (البخاري (2615) مسلم (89) النسائي (3671) أبو داود (2874)).
وذكر تمام الحديث.
وقال النبي: « لا يـزال المؤمن في فسحـة من دينه مـا لم يصب دما حراما»(البخاري (6469) أحمد (2/94)).
وقال النبي: «لزوال الدنيا -يعني كلها- أهون عند الله من قتل رجل مسلم» (الترمذي (1395) النسائي (3987)).
ومن أجل حرمة النفس وتحريمها؛ رتب الله على قتلها عقوبات في الآخرة، وعقوبات في الدنيا.
أما عقوبات الآخرة، فقال تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب، وتفزع النفس.
﴿جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ فيا ويله ما أصبره على نار جهنم، وقد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعة وستين جزءا؟!
﴿وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ﴾ وبئس ما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه.
﴿وَلَعَنَهُ﴾ فطرده وأبعده عن رحمته، ﴿وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.
ويل لقاتل المؤمن المتعمد، ويل له من هذه العقوبات النار، وغضب الجبار، واللعنة والعذاب العظيم.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء» (البخاري (6471) مسلم (1678) الترمذي (1396) النسائي (3991) ابن ماجة (2615) أحمد (1/388)).
وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: سمعت نبيكم، يقول: «يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دما، حتى يأتي به إلى العرش، فيقول المقتول: يا رب هذا قتلني؟ فيقول الله للقاتل: تعست -أي هلكت- ويذهب به إلى النار» (الترمذي (3029) النسائي (3999) أحمد (1/364)).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» (الترمذي (1398)).
هذه -أيها المؤمنون- عقوبة قاتل النفس بغير حق في الآخرة.
أما عقوبته في الدنيا، فالقصـاص: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179].
النفس بالنفس جزاء وفاقا، كما أعدم أخاه المؤمن، وأفقده حياته، فجزاؤه أن يفعل به كما فعل.
ولقد جعل الله لولي المقتول سلطانا قدريا، أي قدره في شرع الله وفي قضائه وقدره على قتل القاتل؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33].
فهذه الآية كما تدل على أن الله جعل لولي المقتول سلطانا شرعيا في قتل القاتل، فقد يفهم منها أن الله جعل له أيضا سلطانا قدريا بحيث يكون قادرا على إدراك القاتل وقتله، فيهيئ الله من الأسباب ما يتمكن به من إدراكه، والله على كل شيء قدير، وبكل شيء محيط.
أيها المسلمون: وإن من حماية الله لأموالكم: أن جعل عقوبة السارق قطع يده إذا تمت الشروط؛ كما قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38].
حتى لو استعار منك شخص شيئا يساوي ما يقطع به السارق ثم جحده، وقال: ما استعرت منك شيئا، فتثبت عليه العارية، فإنها تقطع يده، بسبب جحوده العارية؛ كما ثبت ذلك في الصحيحين: "أن امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدها، فأهم قريشا شأنها، فكلمه أسامة بن زيد فيها، فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب الناس، فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، «وايم الله -يعني أقسم بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (البخاري (4053) مسلم (1688) الترمذي (1430) النسائي (4898) أبو داود (4373) ابن ماجة (2547) أحمد (6/162) الدارمي (2302)).
أما حماية الله للأعراض، فقد ذكر الله جانبا كبيرا منها في سورة الحجـرات في قولـه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الحجرات: 11].
إلى آخر الآية التي بعدها.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (البخاري (48) مسلم (64) الترمذي (1983) النسائي (4108) ابن ماجة (69) أحمد (1/439)).
وأوجب الحد ثمانين جلدة على من قذف محصنا بالفاحشة، وأوجب الحد على الزاني إن كان محصنا، فيرجم بالحجارة حتى يموت.
وإن كان غير محصن، وهو الذي لم يتزوج فحده مائة جلدة، وتغريب عام.
وأما حد اللواط، وهو إتيان الذكر الذكر، فإنه القتل بكل حال، إذا كانا بالغين غير مجنون سواء، كان متزوجين، أو غير متزوجين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (الترمذي (1456) أبو داود (4462) ابن ماجة (2561) أحمد (1/300)).
وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على مقتضى هذا الحديث.
فاحمدوا الله -أيها المؤمنون- على هذه الحماية لدينكم وأنفسكم، وأموالكم وأعراضكم، واسألوه أن يوفق المسلمين جميعا للقيام بشكره، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فإن ذلك خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ... إلخ ...
- التحذير من التطفيف في المكاييل والموازين
- أحوال الإِنسان في هذه الدنيا
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام هذا الدين
- بر الوالدين
- صفة النبي صلى الله عليه وسلم
- حماية النبي لجناب التوحيد
- صلة الرحم
- فضل قراءة القرآن الكريم
- الاستعداد ليوم التلاق
- وجوب العدل بين الأولاد
- حكم شرب الدخان ومضاره
- الاستعداد ليوم المعاد
- التزود لدار القرار
- استتباب الأمن بتطبيق أحكام الشريعة
- بقية عمر المؤمن لا قيمة له
- الرجوع إلى الله
- الحث على الصدق .. وقصة كعب بن مالك
- شروط النكاح وكيفية طلاق السنة (1)
- شروط النكاح وكيفية طلاق السنة (2)
- سجود السهو
- زكاة الأموال وعروض التجارة
- أحكام الجنائز
- إقامة حدود الله
- التحذير من زعزعة أمن واستقرار البلاد
- الاستقامة
- التمسك بدين الإسلام
- إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً
- مواضع الدعاء لله عز وجل
- الدين النصيحة
- صفة الصلاة
- صلة الأرحام
- نجاة المتقين
- شيء من آيات الله تعالى الدالة على قدرته (1)
- معنى الأمانة وشمولها لجميع الأعمال
- ذكر الله بالقلب واللسان والجوارح
- وجوب رعاية الأولاد والأهل
- نماذج من أحكام الصلاة
- وجوب رعاية المرأة ومنعها من التبرج
- من عليه مسؤولية رعاية المرأة؟
- كيفية الوضوء
- الخوف والرجاء من الله
- أمانة الأموال والأولاد
- نعمة الإسلام
- الأخوة الإيمانية وثمراتها
- وجوب الإيمان بالقضاء والقدر
- فيما يجب أن يكون عليه بيت المسلم
- من صفات المؤمنين في القرآن
- وجوب اتباع الكتاب والسنة والنهي عن الابتداع في شعبان وغيره
- في تحريم أذية المسلمين في مرافقهم
- تنقية الأموال
- وصية لقمان لابنه
- أنواع السعادة
- إنفاق المال في طرق الخير بوقف أو غيره
- مشكلة مغالاة المهور ومنع الأولياء
- من سنن الفطرة
- مسؤولية الإنسان المؤمن في الحياة
- فضل صلاة التطوع
- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله
- نماذج من أنواع الظلم
- وجوب التناصح بين الرعية والرعاة
- حماية الإسلام للدين والنفس والعرض والمال
- شيء من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
- عذاب النار
- عقوبة القاتل عمدًا
- غزوة أحد
- غزوة الخندق
- غزوة خيبر
- نعيم الجنة
- الأمانة
- التحذير من البدع
- قصة موسى مع فرعون
- كمال الإسلام ويسره وسهولته
- ما يحرم من اللباس
- مبدأ حياة النبي بعد البعثة
- مضار الخمر والتحذير منه
- من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة
- من مفاسد الزنا
- وجوب شكر نعمة الإسلام بالعمل به
- التقوى ومجالاتها
- واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
- فضل الصلاة وكفر تاركها
- نماذج من عذاب النار
- وجوب إعداد القوة للأعداء
- الأمن من ضروريات الحياة
- مسؤولية الإمام والمأموم
- من حقوق الله تعالى وحقوق الخلق
- نماذج من البيع المحرم وعقوبة الربا
- نماذج من شروط الصلاة وأركانها
- حاسبوا أنفسكم ما دمتم في زمن الإمكان
- مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ
- أولادكم أمانة في أعناقكم
- اغتنام أيام العمر بالعمل الصالح
- الاستقامة على الطاعة | بعد انتهاء موسم الحج
- الاستقامة على النهج السليم
- الحصول على الحياة الطيبة بالإيمان والعمل الصالح
- القيام بالواجبات وترك المنهيات
- قصة موسى وفرعون
- ما تحصل به السعادة
- مجاهدة النفس على الطاعة
- مجاهدة النفس
- وجوب امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه
- المثابرة على الأعمال الصالحة