وجوب العدل بين الأولاد

الحمد لله الحكيم الخبير، يعلم ما تسرون وما تعلنون، وهو عليم بذات الصدور، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله القيام بالعدل في جميع الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من تمام تقوى الله القيام بالعدل في كل شيء صغير وكبير، وبين كل أحد قريب وبعيد، وعدو وصديق. إن القيام بالعدل من أفضل الأعمال، ومن واجبات الدين، ومما أمر الله به في محكم كتابه يقول سبحانه: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام:152] . ويقول سبحانه: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة:8].

عباد الله: إن أوجب الواجبات القيام بالعدل فيما يتعلق بحق الله تعالى، فإنه سبحانه هو الخالق الرزاق، وهو المعبود بحق دون من سواه، فمن العدل القيام بتوحيده، وإفراده بالعبادة، وإخلاص العمل له وحده دون سواه، وعدم الالتفات إلى أي أحد سواه، وإنه لمن أظلم الظلم الشرك به، ودعوة غيره، وطلب الحاجات ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، والله عز وجل يقول: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء:56]. وقد أمر سبحانه بدعائه وحده، ووعد بالاستجابة لمن دعاه يقول عز وجل: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60]. والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله».

وإن البر بالوالدين من العدل، وعقوقهما من الظلم والجور، وكما يجب القيام بالعدل في حق الله وحقوق الوالدين، كذلك يجب القيام به في حق الأقارب والجيران، وحقوق المسلمين، وكل من كان أقرب فحقه أكبر.

وإنه يا عباد الله لمن الظلم والجنف والجور ما يفعله بعض الناس من التفضيل بين الأولاد في العطاء، والبر والإكرام وعدم المساواة بينهم، واتباع الهوى وما يمليه عليه هواه، ونفسه الأمارة بالسوء من التفرقة بين أولاده، وإكرام البعض منهم دون الآخرين، أو تفضيل بعضهم على بعض بشيء من الحقوق والأموال، فإن هذا أمر لا يجوز شرعا قد نهى عنه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وسماه جورا، وقال للرجل الذي أراد أن يخص بعض ولده بشيء: « أكلَّ ولدك نحلته هكذا؟ قال:لا. فقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ». كما في الحديث المتفق عليه عن عامر الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه، وهو على المنبر، يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة يعني أمه: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟» قال: لا. قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم». قال:فرجع فرد عطيته، وفي رواية: إني نحلت ابني هذا غلاما. فقال: «أكل ولدك نحلته مثله؟» قال: لا. قال: «فأرجعه »، وفي لفظ: «لا تشهدني على جور». وفي لفظ: «أشهد على هذا غيري». وفي لفظ: «أيسُرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ » قال: أجل. قال: « فلا إذًا ». فسمى صلى الله عليه وسلم تخصيص بعض الأولاد دون بعض في العطية من الجور، وأمره بارتجاعه، وقال: «لا تشهدني على جور». واللفظ الآخر: «أشهد على هذا غيري». توبيخًا وتهديدًا له، وإلا فمن يشهد عليه، وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهادة عليه، وكيف يشهد أحد على شيء سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم جورا.

فهذا الحديث يدل على الأمر بالعدل بين الأولاد، وأنه لا يجوز تخصيص بعضهم بشيء دون الآخرين، ومن خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جار وظلم، وإن هذا سبب من أسباب العقوق، والتفاوت في البر، فاتقوا الله عباد الله، واعدلوا بين أولادكم، وكونوا من المؤمنين الذين يعدلون في أولادهم، وفي حكمهم، وأهليهم وما ولوا.

وإن مما نهى الله ورسوله عنه ما يحصل من الحيف والجنف في الوصية بعد الموت للبعض دون الآخر كما في الأوقاف على بعض الذرية دون بعض، وحرمان الآخرين من الأولاد، وكل ما يقع مخالفا لما أمر الله به من العدل، فهو نوع من أنواع الجور والجنف، وربما كان سببًا لسوء الخاتمة، فقد جاء في الحديث الذي رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فإذا أَوْصَى حَافَ في وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ له بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ في وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ له بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ». قال أبو هريرة رضي الله عنه اقرءوا إن شئتم:﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة:229].

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (الجنف في الوصية من الكبائر).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

 الحمد لله أمر بالعدل في كل الأحوال، وحرم الظلم والجنف في كل مجال، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله، تعالى، وتقربوا إليه بطاعته، والقيام بأمره، وقد أمركم الله ورسوله بالعدل بين الناس في جميع الحقوق، ونهى عن الظلم والجور والفسوق، إن القيام بالعدل سبب لاستقامة أمور الدين والدنيا، إن بالعدل يتم التعاون على المصالح العامة والخاصة، والعدل واجب في الولايات كلها، والمعاملات وهو أن تؤدي ما عليك كاملا كما تطلبه تاما من غيرك، فمتى تم العدل من العاملين في أعمالهم، ومن المعاملين في معاملاتهم، والقضاة في أحكامهم، والأزواج مع زوجاتهم، صلحت الأمور، واستقامت الأحوال، وساد المجتمع الوئام والمحبة والرحمة. ومتى رفع روح العدل والأمانة حصلت العداوات، والتفكك في المجتمع، فاتقوا الله عباد الله، وكونوا قوامين بالعدل.